فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
قال في الإكليل: استدل بقوله تعالى: {وَأُوْلُو الْأَرْحَام} الآية، مَن ورّث ذوي الأرحام. انتهى.
وهو استدلال متين، وليس مع المخالف ما يقاومه، بل فهم كثيرون أن المعنيّ بها، أن القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار، وأنها ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة، التي كانت بينهم، ذهابًا إلى ما روي عن الزبير وابن عباس: أن المهاجري كان يرث الأنصاري، دون قراباته وذوي رحمه، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله الآية. فرجعنا إلى مواريثنا.
إلا أن الاستدلال بذلك هو من عموم الأولوية، لا أنها خاصة بالمدعي فيها، كما أسلفنا بيانه مرارًا: {كَانَ ذَلكَ في الْكتَاب مَسْطُورًا} أي: في القرآن، أو في قضائه وحكمه، وما كتبه وفرضه، مقررًا لا يعتريه تبديل ولا تغيير.
{وَإذْ أَخَذْنَا منَ النَّبيّينَ ميثَاقَهُمْ وَمنكَ وَمن نُّوحٍ وَإبْرَاهيمَ وَمُوسَى وَعيسَى ابْن مَرْيَمَ} أي أخذنا عهودهم بتبليغ الرسالة، والدعاء إلى الحق، والتعاون والتناصر والاتفاق، وإقامة الدين، وعدم التفرق فيه، كما قال تعالى: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثَاقَ النَّبيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ منْ كتَابٍ وَحكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمنُنَّ به وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلكُمْ إصْري قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ منَ الشَّاهدينَ} [آل عمْرَان: 81]، قال أبو السعود: وتخصيصهم بالذكر، يعني قوله: {وَمنكَ} الخ مع اندراجهم في النبيين، للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم، وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع، وأساطين أولي العزم، وتقديم نبينا عليهم، عليهم الصلاة والسلام، لإبانة خطره الجليل. انتهى.
وقال في الانتصاف: وليس التقديم في الذكر بمقتض لذلك، ألا ترى إلى قوله:
بَهَاليْلٌ منْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّه ** عَلَيَّ وَمنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيَّرُ

فأخّر ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم ليختم به تشريفًا له. وإذا ثبت أن التفضيل ليس من لوازمه التقديم، فيظهر، والله أعلم في سر تقديمه عليه الصلاة والسلام، على نوح ومن بعده في الذكر، أنه هو المخاطَب من بينهم، والمنزل عليه هذا المتلوّ، فكان تقديمه لذلك.
ثم لما قدم ذكره عليه الصلاة والسلام، جرى ذكر الأنبياء، صلوات الله عليهم بعده على ترتيب أزمنة وجودهم. والله أعلم. انتهى.
وقد صرح بأولي العزم هنا، وفي آية: {شَرَعَ لَكُمْ منَ الدّين مَا وَصَّى به نُوحًا وَالَّذي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا به إبْرَاهيمَ وَمُوسَى وَعيسَى أَنْ أَقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فيه} [الشورى: 13]. قال ابن كثير: فهذه هي الوصية التي أُخذ عليهم الميثاق بها {وَأَخَذْنَا منْهُم مّيثَاقًا غَليظًا} أي: عهدا عظيم الشأن، وكيف لا؟ وقد يعترضه من الماكرين والمحادّين والمشاقّين، ما تزول منه الجبال، لولا الاعتصام بالصبر عليه.
{ليَسْأَلَ الصَّادقينَ عَن صدْقهمْ} أي: فعل الله ذلك ليسأل يوم القيامة الأنبياء. ووضع الصادقين موضع ضميرهم، لإيذان من أول الأمر، بأنهم صادقون فيما سئلوا عنه، وإنما السؤال لحكمة تقتضيه، أي: ليسأل الأنبياء الذين صدقوا عهودهم عما قالوه لقومهم، أو عن تصديقهم إياها تبكيتًا لهم. كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجبْتُمْ} [المائدة: 109]، أو المصدقين لهم عن تصديقهم. أفاده أبو السعود {وَأَعَدَّ للْكَافرينَ عَذَابًا أَليمًا} أي: لمن كفر من أممهم عذابًا موجعًا. ونحن- كما قال ابن كثير- نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم، ونصحوا الأمم، وأفصحوا لهم عن الحق المبين الواضح الجليّ، الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء، وإن كذبهم من كذبهم من الجهلة، والمعاندين، والمارقين، والقاسطين، فما جاءت به الرسل هو الحق، ومن خالفهم فهو على الضلال. انتهى. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قوله تعالى: {النَّبيُّ أَوْلى بالْمُؤْمنينَ منْ أَنْفُسهمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أن الآيات السابقة، كشفت عن زيف علاقات أقامها الجاهليون بين الأشياء، على غير الحقّ، إرضاء لهوى، أو استجابة لتصور فاسد. مثل معاملة الزوجة معاملة الأم في تحريمها بالظهار، وفي إقامة الدعىّ مقام الابن في النسب والإرث.
وفي هذه الآية، يقيم القرآن علاقات بين ذوات متباعدة في النسب، ويجعل بينها من التلاحم، والتوادّ، ورعاية الحرمات، أكثر مما تقضى به دواعى النسب والقرابة.!.
فالنبى- صلوات اللّه وسلامه عليه- وإن لم يكن بينه وبين المؤمنين علاقة نسب وقرابة، هو أقرب إليهم من كل قريب، وآثر عندهم من كل قرابة،. بل إنه لأولى بهم من أنفسهم. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ إنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إلَيْكُمْ منَ اللَّه وَرَسُوله وَجهادٍ في سَبيله فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتيَ اللَّهُ بأَمْره} [التوبة: 24] ويقول سبحانه: {ما كانَ لأَهْل الْمَدينَة وَمَنْ حَوْلَهُمْ منَ الْأَعْراب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلا يَرْغَبُوا بأَنْفُسهمْ عَنْ نَفْسه} [التوبة: 120].
إن النبىّ هو الأب الأعظم للمؤمنين، هو الذي أحيا مواتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فكان له بهذا سلطان مطلق على وجودهم الرّوحى، الذي لا وجود لهم إلّا به. يقول النبي الكريم: «والذي نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده، والناس أجمعين».
ويقول أيضا: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه».
وطبيعى أن النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- لا يبغى بهذا الحب الذي يؤثره به المؤمنون- لا يبغى به سلطانا على النفوس، ولا تسلطا على الناس، وإنما يبغى به توثيق إيمان المؤمنين باللّه، وإخلاص ولائهم وحبهم للّه، لأن من أحبّ اللّه أحبّ رسوله.
وأزواج النبي، هنّ من حرماته، التي ينبغى أن يرعاها المؤمنون أكثر من رعايتهم لحرماتهم. فهنّ أمهات لكل مؤمن، ولهنّ- بهذا- من التوقير والاحترام ماللأم من التوقير والاحترام. وكما لا يحل للابن أن يتزوج أمه، كذلك لا يحلّ للمؤمن أن يتزوج امرأة تزوج بها النبىّ، لأنها أمه.
وفي قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحام بَعْضُهُمْ أَوْلى ببَعْضٍ في كتاب اللَّه}- تأكيد لخصوصية النبي في هذا الحكم، دون الناس جميعا. فلا يصح أن يقاس عليه ملك، أو أمير، أو ذو سلطان دينىّ أو دنيوى.
ومن أجل هذا، فقد جاء قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحام بَعْضُهُمْ أَوْلى ببَعْضٍ في كتاب اللَّه} ليقرّر أن الخصوصية التي للنبى، لا تنقض ما بين ذوى القربى من صلات قام عليها نظام الحياة الاجتماعية، وأقرها اللّه سبحانه وتعالى في كتابه- أم الكتاب- وفي الكتب المنزلة. فأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في التوادّ، والتواصل، والتوارث.
وفي قوله تعالى: {منَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُهاجرينَ}. من هنا بيانية، لأولى الأرحام، أي وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه.
أي أنه إذا قام بين المؤمنين ولاء الأخوة في دين اللّه، وقام بين المهاجرين ولاء الإيمان باللّه، والهجرة في سبيل اللّه، فإنه يقوم بين ذوى الأرحام ولاء الرحم إلى جانب ولاء الإيمان والهجرة. وبهذا يظل لذوى الأرحام من المؤمنين والمهاجرين ولاء الرحم، فهم أحق بالتوارث فيما بينهم. وعلى هذا فإن التوارث بين ذوى الأرحام على ما قرره القرآن قائم بينهم، فيحجب ولاء الرحم، ولاء الإيمان وولاء الهجرة، إذا اجتمعا معه.
وقوله تعالى: {إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلى أَوْليائكُمْ مَعْرُوفًا كانَ ذلكَ في الْكتاب مَسْطُورًا} إلا هنا للاستثناء، وهو استثناء من عموم الأحوال، التي دل عليها إطلاق الحكم- في قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحام بَعْضُهُمْ أَوْلى ببَعْضٍ في كتاب اللَّه} أي أن هذا الحكم مطلق في جميع الأحوال، إلا في حال واحدة، وهى الحال التي ترون فيها أن تفعلوا معروفا إلى ذويكم من المؤمنين والمهاجرين، من غير ذوى الأرحام، الذين لهم نصيب في الميراث. ففى هذه الحالة لكم أن توصوا من ثلث ما لكم إلى من ترون الوصية له من المؤمنين والمهاجرين.
وقوله تعالى: {كانَ ذلكَ في الْكتاب مَسْطُورًا}.
الإشارة {ذلك} إشارة إلى المعروف في قوله تعالى: {إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلى أَوْليائكُمْ مَعْرُوفًا}. فهذا المعروف هو مما دعا اللّه إليه، وحثّ المؤمنين عليه في غير آية من آيات الكتاب.
قوله تعالى: {وَإذْ أَخَذْنا منَ النَّبيّينَ ميثاقَهُمْ وَمنْكَ وَمنْ نُوحٍ وَإبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسَى ابْن مَرْيَمَ وَأَخَذْنا منْهُمْ ميثاقًا غَليظًا}.
هو عطف حدث على حدث، وجمع شأن إلى شأن.
والحدث المعطوف عليه هو قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحام بَعْضُهُمْ أَوْلى ببَعْضٍ في كتاب اللَّه}.
والحدث المعطوف، هو ما بين الأنبياء من رحم، تجمعهم على ولاء بعضهم لبعض، ومناصرة بعضهم لبعض. وأنه إذا كانت بين ذوى الأرحام، وشائج القربى، ولحمة الدم، فإن بين الأنبياء جامعة الإيمان باللّه، والدعوة إلى اللّه، والجهاد في سبيل اللّه، لإعلاء كلمة اللّه. فهم جميعا- المتقدمون والمتأخرون منهم- على طريق واحد، وفي مواجهة معركة واحدة، بين الإيمان والكفر والهدى والضلال. وأن أي لبنة من لبنات الحق يضعها نبى من أنبياء اللّه على هذه الأرض هي دعم للحق، وإعلاء لصرحه. ولهذا يقول الرسول الكريم: «الأنبياء أبناء علّات. أمهاتهم شتى ودينهم واحد».
والميثاق الذي أخذه اللّه على النبيين، هو ما أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبيّينَ لَما آتَيْتُكُمْ منْ كتابٍ وَحكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لما مَعَكُمْ لَتُؤْمنُنَّ به وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلكُمْ إصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ منَ الشَّاهدينَ} [آل عمران: 81].
وهذا الميثاق، يمكن أن يكون قد أخذ على الأنبياء في عالم الأرواح، فشهدوه جميعا. كما يمكن أن يكون قد أخذ على كل واحد منهم على حدة، حين اختاره اللّه للنبوة.
وفي قوله تعالى: {مُصَدّقٌ لما مَعَكُمْ} هو وصف كاشف للنبى الذي يصدقه الأنبياء وينصرونه، وهو أن يكون نبيا حقا، لا دعيّا. فما أكثر أولئك الذين يدّعون النبوة. وآية صدق النبي أن يكون طريقه طريق النبوة، التي لا طريق لها إلا الدعوة إلى الإيمان باللّه، وإفراده سبحانه بالألوهة، ومحاربة الشرك الظاهر والخفي، في كل صوره وأشكاله، مع معجزة متحدية تكون بين يديه.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، ما قد رأيت.
أما مناسبتها لما بعدها، فإن الآيات التي تأتى بعد هذا ستذكر غزوة الأحزاب، التي اجتمع فيها اليهود مع أهل مكة على حرب النبي. وأنه إذا كان المشركين أن يحاربوا النبي: فإنه ما كان لليهود- وهم أهل كتاب، وأتباع نبى من أنبياء اللّه- أن ينحازوا إلى جبهة الشرك، وأن يكونوا معهم حربا على المؤمنين. إن الحق يقتضيهم أن يكونوا على ولاء مع المؤمنين، إذ كان نبيهم على ولاء مع هذا النبي. ولكنهم خرجوا على هذا الولاء الذي يطالبهم به دينهم، فكفروا بما في الكتاب الذي في أيديهم، بغيا وحسدا. وفي هذا يقول اللّه تعالى فيهم: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْكتابَ لَتُبَيّنُنَّهُ للنَّاس وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورهمْ وَاشْتَرَوْا به ثَمَنًا قَليلًا فَبئْسَ ما يَشْتَرُونَ} (187: آل عمران).
وقدم النبي، على الأنبياء جميعا. لأنه خاتم النبيين، ولأن رسالته هي مجتمع رسالات الأنبياء. فالأنبياء- صلوات اللّه وسلامه عليهم- وإن سبقوه زمنا، هم متأخرون عنه صلوات اللّه وسلامه عليه- رتبة. فهو إمامهم الذي انتظم عقدهم بمبعثه.
قوله تعالى: {ليَسْئَلَ الصَّادقينَ عَنْ صدْقهمْ وَأَعَدَّ للْكافرينَ عَذابًا أَليمًا}.
هو تهديد ووعيد لأهل الكتاب، الذين نقضوا الميثاق الذي أخذه اللّه على نبيهم بأن يصدق بالنبي وينصره، إذا التقى به. وقد التقى به نبيهم في أشخاصهم، وكان عليهم أن يمضوا هذا الميثاق مع رسول اللّه، وأن يصدّقوه وينصروه. وقليل منهم من آمن بالنبي وصدقه، وأكثرهم نقضوا هذا الميثاق، فكذبوا النبي، وكانوا حربا عليه.
وفي قوله تعالى: {ليَسْئَلَ الصَّادقينَ عَنْ صدْقهمْ} إشارة إلى أن هناك مساءلة وحسابا على هذا الميثاق.
وسؤال الصادقين عن صدقهم، يكشف عن أنهم أهل وفاء وإيمان، فيجزون جزاء المؤمنين الموفين بعهدهم.
وقوله تعالى: {وَأَعَدَّ للْكافرينَ عَذابًا أَليمًا} هو الجزاء الذي يلقاه أهل الغدر والخيانة من أهل الكتاب، من عذاب أليم، أعده اللّه لهم في الدنيا والآخرة. إنهم كافرون، وليس للكافرين إلا العذاب الأليم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{النبى أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ}.
استئناف بياني أن قوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} [الأحزاب: 4] وقوله: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] كان قد شمل في أول ما شمله إبطال بنوّة زيد بن حارثة للنبيء صلى الله عليه وسلم فكان بحيث يثير سؤالًا في نفوس الناس عن مدى صلة المؤمنين بنبيئهم صلى الله عليه وسلم وهل هي علاقة الأجانب من المؤمنين بعضهم ببعض سواء فلأجل تعليم المؤمنين حقوق النبي وحرمته جاءت هذه الآية مبينة أن النبي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم.
والمعنى: أنه أولى بكل مؤمن من أنفس المؤمنين.
و{منْ} تفضيلية.
ثم الظاهر أن الأنفس مراد بها جمع النفس وهي اللطيفة الإنسانية كقوله: {تعلم ما في نفسي} [المائدة: 116]، وأن الجمع للتوزيع على كل مؤمن آيل إلى كل فرد من الأنفس، أي: أن النبي أولى بكل مؤمن من نفس ذلك المؤمن، أي: هو أشد ولاية، أي: قربًا لكل مؤمن من قرب نفسه إليه، وهو قرب معنوي يراد به آثار القرب من محبة ونصرة.
ف {أولى} اسم تفضيل من الوَلْي وهو القرب، أي: أشد قربًا.
وهذا الاسم يتضمن معنى الأحقية بالشيء فيتعلق به متعلّقه ببناء المصاحبة والملابسة.
والكلام على تقدير مضاف، أي: أولى بمنافع المؤمنين أو بمصالح المؤمنين، فهذا المضاف حذف لقصد تعميم كل شأن من شؤون المؤمنين الصالحة.
والأنفس: الذوات، أي: هو أحق بالتصرف في شؤونهم من أنفسهم في تصرفهم في شؤونهم.
ومن هذا المعنى ما في الحديث الصحيح من قول عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنتَ أحبّ إليّ من كل شيء إلاّ من نفسي التي بين جنبَيّ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه» فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبّ إليّ من نفسي.
ويجوز أن يكون المراد بالأنفس مجموع نوعهم كقوله: {إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم} [آل عمران: 164]، ويجوز أن يكون المراد بالأنفس الناس.
والمعنى: أنه أولى بالمؤمنين من ولاية بعضهم لبعض، أي: من ولاية جميعهم لبعضهم على نحو قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} [البقرة: 85]، أي: يقتل بعضكم بعضًا، وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} [النساء: 29].
والوجه الأول أقوى وأعمّ في اعتبار حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد أولويته بمن عدا الأنفس من المؤمنين بدلالة فحوى الخطاب.